نتيجة الوعي المتزايد نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين في النفس الإنسانية وأهمية العوامل الداخلية في تقرير مصيرها وتوجيه أنشطتها، فلم يعد من المقبول إنسانياً ترويض الأفراد وإخضاعهم لعوامل خارجية تحد من إرادتهم في تكوين الحياة التي يُريدونها لأنفسهم، وكذلك خروج الأفراد عن إطار إرادتهم للانصياع لمن حولهم من أفراد آخرين و/أو لما حولهم من ظروف يفقدهم الكثير من الصفات الإنسانية التي كرّمهم بها الله عز وجل. فقد أثبتت الأزمان المتعاقبة بشكل عام ومع تطور العلوم الطبيعية والإنسانية أن النفس الإنسانية – مع الأخذ بعين الاعتبار البيئة المادية والاجتماعية وقوة تأثيرها – قادرة على تقرير مصيرها بنفسها فلها أن تحكّم عقلها وتهنأ بقلبها وتبني بيدها وتجعل من حياتها ما يستحق الحياة.
في ضوء الأدب النفسي عرّف رايان وديتشي (Ryan & Deci, 2000) نظرية تقرير المصير على أنها نهج في دراسة الدافعية وتنمية الشخصية باستخدام أساليب البحث العلمي التجريبية مع تسليط الضوء على المصادر الداخلية كالدافعية الداخلية والتنظيم الذاتي، ممّا يُتيح للفرد المبادرة بأفعال استباقية تُعزز العمليات الإيجابية. وقد أشار الباحثان إلى أن هناك ثلاثة حاجات نفسية تؤدي إلى القيام بالوظائف الإنسانية على أكمل وجه هي: الكفاية (مجموع المعارف والمهارات)، والقرابة (تُشبه الوظيفة الإيجابية للإتقان البيئي من العافية النفسية)، والاستقلالية (تُشبه الوظيفة الإيجابية للاستقلالية من العافية النفسية). وأضافا أن هذه الحاجات تُحسّن من الأداء العام للأفراد ضمن عمليات التطور والنمو الاجتماعي وامتلاك العافية المرجوة. ويُوضح الشكل الآتي العمليات المتضمنة في نظرية تقرير المصير:
الشكل (1-1): العمليات المتضمنة في نظرية تقرير المصير
نشاط (1-4): العزيمة الذاتية وتقرير المصير
تأمّل في العمليات المتضمنة في نظرية تقرير المصير. تأمّل عمليات الدافعية والتنظيم الذاتي لديك، ثم اكتب رسالة إلى نفسك تُخبرها عمّا يُمكنك فعله لزيادة عزيمتك الذاتية لتتمتع بسلوك المُقرر لمصيره.
نشاط إضافي: يُمكنك الرجوع إلى الرابط الآتي الذي يُؤدّي إلى موقع “تقرير المصير” والاطلاع على ما يقدمه من معلومات وأدوات وتطبيقات يُمكنك الاستفادة منها: http://selfdeterminationtheory.org
العافية المتعية والعافية المعنوية
في ضوء عملهما الكبير في نظرية تقرير المصير، نظّر ذات الباحثان رايان وديتشي (Ryan & Deci, 2001) في مجال العافية وأشارا إلى أن الأبحاث الإيجابية في هذا المجال تهتم بدراسة العافية التي تتضمن أداء الوظائف الإنسانية على أكمل وجه من جانبين مختلفين هما:
1. العافية المتعية: تُركّز على السعادة كمحور جوهري للعافية التي تُعنى بدراسة الانفعالات السّارة النابعة من الشعور باللذة وتجنب الألم.
2. العافية المعنوية: تُركز على القصد من وراء العمل كجوهر للغاية من الحياة، ممّا يضفي معنى للحياة ويُسهم في تحقيق الذات بناءً على أداء الوظائف على أكمل وجه وبصورة ذات معنى للفرد وللآخرين.
نشاط (1-5): أعطِ لحياتك معنى: المتعة مقابل الإحسان
خلال أسبوع، خطّط لعمل مجموعة من النشاطات الممتعة مثل: التسوق، الخروج مع الأصدقاء، رؤية برنامج ترفيهي، إلخ. ثم خطّط أيضاً لعمل مجموعة من نشاطات الإحسان والدعم المعنوي كالتطوع، مساعدة المحتاجين، وغيرها. قارن بين خبرات نوعي النشاطات التي قمت بها. صف مشاعرك بعد كل نشاط. كم بقيت تلازمك هذه المشاعر؟
المراجع:
Ryan, R. M, & Deci, E. L. (2000). Self-determination Theory and the Facilitation of Intrinsic motivation, Social Development, and Well-being. American Psychologist, 55(1), 68-78
Ryan, R. M., & Deci, E. L. (2001). On happiness and human potentials: A review of research on hedonic and eudaimonic well-being. Annual Review of Psychology, 52, 141-166
ملاحظة: راجع المصطلحات بالإنجليزية 1